اواليا
.د.ب5.500 .د.ب3.300
كان الطقسُ باردًا جافًا، يهِبُّ فيه الشمالُ وهو يحملُ معه حُبيباتِ غبارٍ كثيفةً وثقيلةً، تلسع البَشَرةَ، وتدفعك لتغطية وجهك أو أن تديرَ لها ظهرَك. وقفتُ في شُرفة الدَّور الأول أراقبُ الحركة في مدخل المبنى والطرقاتِ التي تؤدي إليه. أقبل رجلٌ يحملُ هراوةً بُنيَّةً، يريحها على كتفه الأيسر وهو يُمسك مقبضَها بيمينه. بدتِ الهراوة ملساءَ ثقيلة لامعة، ذات مقبضٍ عريضٍ ونصلٍ مستقيم. ربط الرجلُ غترته بإحكام، حوَّلَ الوشاح إلى عصابة تغطي رأسه ونصفَ جبينه. جاء مهرولًا، خفيف الحركة، وهو في عجلةٍ من أمره، يرافقه صبيٌّ أمردٌ يسيرُ في إثرِه بعدَّةِ خطوات. وعلى قوة هذا الرجل وصلابته، بدا خائفًا متوترًا أكثر من صبيِّه ذي الشعر الدهني. أوقفهما الحارسُ المناوبُ لمستشفى الإرسالية، وبدأ حوارٌ هادئٌ بينهما سرعان ما زادتْ حِدَّته، وتعالتْ معه الأصواتُ حتى تداخلتْ. شدَّني الموقفُ برمَّته، بقيتُ في موقعي أراقبُ كيف ستتطورُ الأحداث. أثارني الفضول؛ نزلتُ بسرعة وبقيتُ بالقرب من بوابة المبنى الرئيسِ للمستشفى. تحوَّلَ صوتُهم إلى ما يشبه الصراخ، بدا أنهم في جدالٍ سيتحول لا محالة إلى عِراكٍ بالأيدي والهراوات. وبصوتٍ حازمٍ ومرتفع، طلب الحارسُ من الرجلِ أن يضعَ هراوته بعيدًا وإلَّا أنه سيطلب حضورَ رجال الأمن العاملين في المبنى. ارتبك الرجلُ وهو يرى الحرسَ من بعيد، تراجع مُرغمًا تحت وطأة التهديد، أعطى هراوته للصبي الأمردِ الذي يرافقه، تراجع الصبيُّ بالهراوة منزويًا خلفَ البوابة الخشبية. وبدأ الرجلُ بعدها يُلوِّح بكلتا يديه ناحية المستشفى. تقدَّمتُ أكثرَ وهو يتابعُني بعينيه، سمعته بوضوحٍ وهو يشير ناحيتي:
”أبغي الدختور لمريكي أو الممرضة شريفة، أي واحد منهم، بسرعة يرحم والديك”.
اسم المؤلف : رسول درويش
اسم المترجم :
دار النشر : اسكرايب للنشر والتوزيع
متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.