اللوز المر

لم اسطر سوى بضع كلمات أولى من رواية ’’اللوز المر‘‘ وذلك بعد مخاض البداية الشاق الذي دام أسابيع حتى سمعت طرقا ولغطا خلف الباب.

أخفيت الأوراق وتهيأت لاستقبال الزائر القادم، وحين فتح الباب سمعت صوت المجاطي صحبة آخرين يسأل عني، صحت من داخل غرفتي العارية من الأثاث: زيد أسي احمد… زيد.

دخل المجاطي وربيع مبارك واحمد حمايمو وعزالدين التازي وشخص آخر لا أعرفه بالصورة قدمه لي المجاطي هكذا: هذا هو السي أحمد بوزفور اللي كلمتك عليه.

كانت الجماعة قد أتت لعيادتي بعد أن كسرت ساقي اليسرى مرتين إثر اعتداء تعرضتُ له بسبب قصة قصيرة، وكانت النعمة داخل هذه النقمة أنني طويت في صدري الشجن والمخاوف القديمة، وكتبت رواية، وتعرفت على رجال رائعين منحوني صداقتهم المجردة، من بينهم أحمد بوزفور.

حدث ذلك أوائل السبعينات، حين كانت أسماء بوزفور والتازي والمسناوي وعقار والأشعري والعوفي تفتح لنفسها ولنا جميعا، وسط الطريق اللاحب، جبهة جديدة تتقاطع فيها قيم وأفكار وتطلعات نحو كتابة جديدة. ولذلك تكونت روابط بين رجال توحد بينهم الكلمات، بقدر ما كانت تلك الروابط تتطلع إلى أن تعي ذاتها وعيا واضحا.

لم ينطق بوزفور وقتها سوى ببضع كلمات كشفت طبيعته الخجولة الخادعة أمام ثرثرات الآخرين وقدرتهم على إبداع الجملة المرتجلة، وبدا كمن يؤجل كلامه إلى وقت آخر. وهو تكتيك سار بمثابة قاعدة عمل يتبناه بوزفور كلما ضجت من حوله الأصوات. كأنما الخلص وحدهم هم من يمتلك حق سماعه.